jeudi 3 mai 2012

كي لا ننسى: الطاهر الحداد




كي لا ننسى: الطاهر الحداد

على سبيل البداية: 
قوم يمجدون عظماءهم وأعمالهم وقوم يدنسون قبور أعلامهم.

تمهيد:
هذه التدوينة نافذة نفتحها بمناسبة عيد الشغل إذ كثيرا ما يذكر محمد علي الحامي وفرحات حشاد وغيرهما ويقع إغفال اسم الطاهر الحداد كأحد رواد الحركة النقابية بتونس. تدوينة ستتسع لملامح أخرى في حياة الطاهر الحداد.

هنا وهناك:
تونس: محمد الصالح بن مراد يهاجم الحداد ويقول "هذه دفعة أولى على الحساب حتّى أقرأ الكتاب" .
مصر: طه حسين يقول عن الحداد: » لقد سبق هذا الفتى زمنه بقرنين. «
بين رافض ومعترف هذه آراء اقتطفناها وحاولنا التأليف بينها.

حكاية واقعية: 
كانت النظارة العلميّة ترجع لاختصاص الوزير الأكبر وينصّ الفصل 8 من تراتيب الجامع العظيم (أمر 16 سبتمبر 1912) على أنّ التلميذ يتهيّأ للدخول إلى امتحان التطويع بإتيانه على الكتب المبرمجة في تلك السنة، وحدث أنّ الشيخ عبد العزيز جعيط  الذي كان يقرئ درسا في ” شرح الدردير على خليل” وهي من الدروس المقررة للسنة المذكورة، لم يختم الكتاب، فكان موقف شيخ الإسلام والنظارة تطبيق الفصل 8 وأن لا يباح الدخول للامتحان إلا لمن أتوا على كامل الكتب المقررة للمرتبة المتوسطة. والأكيد أنّ التلامذة العديدين الذين قرؤوا على الشيخ جعيط، وهم أكثر التلامذة عددا بين المتقدمين للامتحان لا يرضيهم ضياع سنة من أعمارهم لإكمال بعض أبواب من شرح الدردير، فاجتمعوا وتوجهوا لشيخ الإسلام في داره يريدون إقناعه بالإذن لهم بالمشاركة في الامتحان، وتقدّم للكلام عنهم الطاهر الحدّاد، وبعد أن بسط ما أتوا لأجله أجاب شيخ الإسلام :
- إذا حان وقت سفر القطار أقلع وما على المتخلفين إلا انتظار القطار الموالي .
فأجابه الطاهر الحدّاد إذا حضر المسافرون قبل إقلاع القطار، فان للشركة أن تلحق به عرَبَة أخرى لتقلّ بقية المسافرين. ولكنّ شيخ الإسلام وهو رأس النظارة العلمية، كان موقفه أنّ التلامذة جعلوا للتراتيب ولم تجعل التراتيب لهم، فعليهم أن يضيّعوا سنة. وبعد ملاسنة نحوية غضب الشيخ.
ذهب التلاميذ إلى الوزير الجلولي فقبل منهم القول، ووجد سابقة في عمل كلية باريس أثناء الحرب في قبولها في الامتحان تلامذة لم تتوفر فيهم شروط الحضور بالكلية للضرورة الحربية، وأذن بقبولهم للمشاركة في الامتحان، وشاركوا وشارك معهم الطاهر الحدّاد، ورسب وكان رسوبه ناتجا عن غضبة الشيخ 
الحداد المناضل السياسي
الشيخ عبد العزيز الثعالبي يصطفيه من زمرة قليلة ليكون أحد مؤسسي الحزب الحر الدستوري التونسي (1920) بل كانت كتاباته في الجرائد وسطوع اسمه فيها سببا لتكليفه بالدعاية والإعلام في ذلك الحزب  .

الحداد المناضل النقابي
جاء محمد علي الحامي بأفكار لا تتسع لها البلاد وأراد أن يقيم الدنيا ويغيّر الطبائع فكان الحداد عضده الأيمن ورأسه المفكر وعينه التي يرى بها الأشياء فأسس معه جامعة عموم العملة التونسية في 1924  ولم يكتب لتلك الحركة أن تعمّر طويلا بل سرعان ما بادرت سلطات الاستعمار إلى حلها في فيفري 1925  لم ييأس الحداد بل واصل النضال وأرخ لتلك الحركة في كتابه «العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية» (1927) الذي صادرته سلطات الاستعمار ومنعت تداوله .

المناضل الحقوقي
وقف الحداد إلى جانب المرأة ورأى في تمكينها من المنزلة التي تستحقها إصلاح للمجتمع فكتب كتابه الذي جرّ عليه اللعنات "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" لن نطيل هنا فالقضية أشهر من أن يتسع لها هذا المجال.

المناضل في مجالي التعليم والثقافة
واصل النضال وكتب كتابا عن إصلاح التعليم الزيتوني تحت عنوان "التعليم الإسلامي وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة" وقد ذكر في بدايته أنه "لا يلزم أن نتحدث عن تاريخ هذه الكلية وما أنجبت من علماء نافعين في عصر الدول العربية فذلك ما سطره التاريخ في صحفه، غير أنه مهما كانت تلك الأساليب التي تدرس بها مثمرة ثمرا طيبا في ذلك العصر فإنها اليوم بحكم الزمن وتطور الأحوال أصبحت قاصرة أن تبلغ بالإنسان درجة فهم الحياة المعاصرة أو أن تبلغه من وسائل العمل ما يكفيه للعيش" لقد فهم في عصره أنّ التعليم لابدّ أن يكون في خدمة الإنسان المواطن حتى يرتقي حضاريا بوطنه.

الهجوم على الحداد
كان على رأس منتقديه الشيخ محمد الصالح بن مراد الذي ألف كتابا للردّ عليه بعنوان: "الحداد على امرأة الحدّاد". والشيخ عمر البرّي المدني الذي ألف كتابا بعنوان "سيف الحق على من لا يرى الحق". كما شنت الصحافة التونسية وبعض الصحف المشرقية حملة شرسة ضد الكتاب وصاحبه، كصحيفة الزهرة والوزير والنهضة، ومن بين عناوين مقالات ما نشر فيها "حول زندقة الحداد" و"موقف الصحافة العربية حول نازلة الطاهر الحداد" و"خرافة السفور" و"أين يصل غرور الملحدين". وتوج هذا الهجوم بفتوى وقعت من لجنة يرأسها العلامة الطاهر بن عاشور وانتهت إلي تكفير الحداد ومطالبة السلطة بحجز الكتاب.

على سبيل النهاية: 
نص للرائع الشابي الذي أرى كلماته تعبّر حتى اليوم عن حال تونس مع تغيّر وجه الطغاة.
لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ،                   
                   أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ
إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ،                   
                   قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ
كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ،                   
                   مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ
ألبسُ روحَهُ قميصَ اضطهادٍ                   
                   فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ
وتوخَّوْاطرائقَ العَسف الإِرْ                   
                   هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ                   
                   رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ
غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا                   
                   واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ
أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّ                   
                   الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ
شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي                   
                   قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ
لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مـ                   
                   ـتُّ وقامتْ على شبابي المناحَة ْ
لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائي                   
                   فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ
وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي                   
                   صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ
إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة ٍ غَيْرَ أنِّي                   
                   مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ
ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ                   
                   سَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ



3 التعليقات:

WALLADA a dit…

رائع باخوس كعهدي بك.

bacchus a dit…

@WALLADA
شكرا ولادة وجزيل الشكر للحداد الرجل الذي جعلني أشعر أني رجل حقيقي لأنّه دافع عن إمرأة حقيقية
وواقع حقيقي وحقوق لابد أن تكون
هو رجل أرادوا وأده ولكنه كطائر الفينيق ينتفض من رماده لأنه انتصر للحق والحق ينتصر
دمت صديقة رائعة

chipie-chipounette a dit…

Et si seulement tous les hommes étaient comme Taher Hadded :))) Oui c'est vrai l'histoire ne lui rend pas assez sa vraie valeur, tout comme tant d'autres...
Pour une histoire écrites par les français, le "héros" devait être forcément le fils de la France :)))

Enregistrer un commentaire