lundi 25 février 2013

الرقص لغة الآلهة والشياطين..

   

    الحدث
Harlem Shake Tunisia! 
 
    رقص شبابنا طلبتنا وتلامذتنا جيل المستقبل الذي ينظر إليهم الكبار على أنّهم لا يفهمون شيئا كما اعتاد نفس هؤلاء الكبار الحديث عن السياسة والجنس والدين أمام الصغار على أنّهم لا يفهمون. ولكنّ تلامذتنا وطلبتنا يفهمون وقد فهموا أنّنا نوّرثهم غباءنا وتطاحننا على كراسي السلطة وديونا سيدفعونها من دمهم ولا ذنب لهم في ذلك إن بالصمت أو السلبية أو التخاذل أو التواطؤ وعجزوا أن يُفهمونا ما فهموا فاستأنسوا بنظرية زوربا اليوناني وبلاده مهد الحكمة لينقلوا لنا هواجسهم. عبّروا عنها بالرّقص لعلّهم اقتدوا بزوربا نفسه في رواية الرائع نيكوس كزانتساكيس يفسّر معجزة الرّقص: (هذا الرابط لمن يريد قراءة المقطع على أنغام رقصة زوربا)


حدّث زوربا قال:
.. وكنت وقتئذ في روسیا.. نعم.. انني ذهبت أيضا إلى روسیا لأعمل في مناجم النحاس هناك بالقرب من (نفوروسیسك). وتعلمت من اللغة الروسیة خمس أو ست كلمات.. أي القدر الذي یكفیني في عملي، مثل نعم، لا، خبز، ماء، أحبك، تعال، بكم.. وهناك توثقت أواصر الصداقة بیني وبین رجل روسي أصیل، فكنا نذهب في المساء إلى حانة على الشاطئ حیث نشرب عددا كبیرا من زجاجات (الفودكا) .. وحدث ذات لیلة اننا شربنا حتى ثملنا، وأحسسنا برغبة في الحدیث.
    وأراد الروسي أن یحدثني عن قصة حیاته، وما حدث له خلال الثورة الروسیة، وأردت بدوري أن أحدثه عن نفسي وعن قصة حیاتي.. فلقد شربنا معا وثملنا، وقربت الخمر بین قلبینا فأصبحنا كأخوين.
    وتم الاتفاق بیننا بالإشارة على أن یبدأ هو الكلام، حتى اذا عجزت عن فهمه صحت به (قف) فینهض واقفا ویرقص، ویعبر بالرقص عما یرید أن یقوله..
    فعلت مثله، وعبّرنا بأقدامنا وأیدینا وبطوننا، عما عجزنا عن قوله بأفواهنا وكان الروسي هو البادئ بالكلام فحدثني كیف حمل بندقیته وكیف امتدت الحرب، وكیف وصل العدو إلى (نوفوروسیسك)، ولما عجزت عن متابعة حدیثه صحت به (قف) فكف عن الكلام ووثب واقفا وراح یرقص كالمجنون. وراقبت یدیه وقدمیه وصدره وعینیه وفهمت كل شيء.. فهمت كیف دخل الاعداء (نوفوروسیسك) وأعملوا فیها السلب وكیف أنشب النساء أظافرهن في وجوههن ثم في وجوه الرجال. ثم جاء دوري، ویبدو أن صدیقي كان على جانب كبیر من الغباء، لأنني ما كدت أنطق ببضع كلمات حتى صاح: (قف)، وذلك ما كنت أنتظره بفروغ صبر، وعلى الفور، نهضت من مكاني وأبعدت المقاعد والمواقد وشرعت أرقص.. أواه یا صدیقي.. ماذا أصاب الناس وهوى بمستواهم !! لقد أصیبت أجسامهم بالبكم فأصبحوا لا یتحدثون الا بأفواههم.. ولكن ماذا تستطیع الأفواه أن تقول؟ لیتك رأیت كیف كان الروسي یصغي إليّ من رأسي إلى قدمي. وكیف تابع قصتي من بدایتها إلى النهایة!! لقد رقصت له متاعبي ورحلاتي والأعمال التي مارستها، وكیف عملت تاجرا، وبائعا جائلا، وخزّافا وعازفا على السانتوري وحدّادا ومهربا، وعاملا في المناجم، وكیف سجنت ثم هربت ووصلت الى روسیا.
وعلى الرغم من بلادته وغبائه فقد فهم كل شيء.. فقد تكلمت یداي وقدماي بوضوح، كذلك تكلم شعر رأسي وثیابي، والخنجر الذي یتدلى من حزامي. وعندما فرغت من قصتي، أقبل صدیقي یعانقني ثم ملأنا كؤوسنا بالفودكا وشربنا وبكینا وضحكنا، وفي المساء تقابلنا مرة أخرى.
    لاأتضحك یا سیدي؟ ألا تصدقني؟ لعلك تقول لنفسك الان: ما هذه الخزعبلات التي یرویها هذا السندباد؟ وهل یمكن لإنسان أن یتكلم بالرقص، ولكني أقسم لك أن الالهة والشیاطین هكذا یتكلمون..

6 التعليقات:

Anonyme a dit…

رائع ... رائع جداّ .. أمتعتنا بنصك هذا و أرجعتنا الى الفودكا و الى الرّقص و الى الصفاء .... كم نحن في حاجة للرقصة ما قبل الأخيرة لنقول ما لم نقله بأفواهنا و بقلوبنا و و بعيوننا وبسحنة الألم و الرافض للأمر الذي يريدون فرضه علينا...إن الرقص من أجمل التعابير و منها تعبير الرّفض
كأسك... .

الحلاّج.

bacchus a dit…

@الحلاج
كذا نحن عشّاق الحياة كلّما كالوا الموت لنا تنبثق معجزاتنا ... فكر وفنّ وفودكا ورقص
دمت صديقي
في انتظار عودتك للتدوين

nassimelwed a dit…

Bravo..je suis ému !

bacchus a dit…

@nassimelwed
Merci beaucoup. ému? danses alors :)

chipie-chipounette a dit…

أنت رائع ونصّك رائع وكلماتك متألقة دائما
شكرا صديقي

bacchus a dit…

@chipie-chipounette
merci pour ta fidélité à ce blog et merci pour ton amitié.
Citation de Balzac.
(Ce qui rend les amitiés indissolubles et double leur charme est un sentiment qui manque à l'amour : la certitude.)

Enregistrer un commentaire