samedi 17 mars 2012

المقامة الجاهلية

 
المقامة الجاهلية
    حدّثنا شاهد بن أزمنة بن تاريخ قال: اتَّفَقَتْ لِيَ حَاجَةٌ بِتونس فَركبت إليها خيل الزمن وكنت تركتها تخرج من المآسي إلى المحن.. وفي البال أنها صارت قِبلة الحرّ وأجود الدرّ والقيد قد انكسر واستجاب القدر وقد صارت من أكبر الديمقراطيات بعد أن تزعمت ربيع الثورات..

   دخلتها ممنيا النفس بطيب المقام متخذا للتغزل بها جميل الكلام.. فما راعني إلا الذباب والجرذان على القمامة تحتفل وجماعات الأحزاب على كرسيّ حمّام تقتتل..  والناس أعدادهم غير أرقام البرية فكل مسيرة من بضعة أنفار تسمى عندهم مليونية.. وهم بين تفكير وتكفير وقد خان أغلبهم التدبير.. وقال قائلهم هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، كيف هرم والثورة قيل شبابية؟.. واحتار الذهن في أمر هؤلاء الناس حتى أخذني النعاس. وابتدأت الكوابيس وانكشفت الكواليس.

    هذا يريدها برلمانية والآخر رئاسية والثالث خلافة على منهاج النبوة وعمر وأبي بكر بن قحافة.. أي كعهد السلف ومن تلاهم وتلف.. حتى جاءهم من يبشر بإشارات ربانية أحلافه يلصقون بالخصم مؤامرات وإن تفطن إليهم الخصم فخطابه حقل فزّاعات.. هكذا صار الشعب قبائل وحظّ تونس (مكبوب مائل).. وفجأة علا صهيل الضوضاء على خيول يركبها المومياء.. فأَرْهَفتُ أُذَنَيّ، وَفتحت عَيْنَيّ، فرأيت من بالأمس أفتى بختان النساء وآخر رأى في قطع الأيدي والأرجل للاقتصاد شفاء.. وابتدأت المليونيات وانطلقت الغصرات مما يرسل الأَبْوَال، فأَخَذَتْ نَحْوَ الجِبَال، فأنا غريب الأهل والدار في بلد سكت فيه الثوريّ ونطق فيه السمسار..  وابتدأ عصر الغزوات وكان أولها غزوة الكليات وقضية النقاب والتكفير تلتها غزوة تمزيق العلم تحت التكبير وسجل يا تاريخ الكل في كتاب حرية التعبير.. 

    قال شاهد بن أزمنة بن تاريخ: فلما أردت الجبال ملجأ يعصمني ومن عدوى ثورة مزيفة يسترني..  برز لي أحدهم يحمل علما أسود في لون المَوتِ يقول بجهور الصوت وقد انتفخت أوداجه وكشّر عن أنيابه.. فقلت خطْبٌ مُلِمٌ، وَحَادِثٌ مُهِمٌ، وصاح تكبيييير وَدَعَا ذلك أَخَاهُ، فأجاب بمثل مَا دَعَاهُ، وقال الديمقراطية علّة وخروج عن الملة فَصارَ إِلَيْهِ، ومثل بين يَدَيهِ، وقال الشريعة لا الدستور ومن خالفوا نواريهم القبور.. وصارت البلاد لا تَمْلِكِ الذَّهَاب وَلاَ الرُّجُوع، وضرب الناس إلى الحرية الظَّمَأُ وَالجُوع، وفجأة عَنَّ لي شابّ فَصَمَدْت صَمْدَهُ، وَقَصَدْت قَصْدَهُ، وَلَمَّا بَلَغَني جعل يُخرج الشهد من شفتيه ويشير إلى المستقبل بِيَدَيْهِ، فَقُلْت: مَالَكَ لاَ أَبَا لكَ؟ فَقَالَ: أَنَا لسان الشعب وحالِه والشاهد على صِدْقِ مَقَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا شهيد الثورة والجريح.. أنا من أشعل أول الثورات في الشوارع والانترنيت.. أنا من تصدى للرصاص بالحجر.. أنا من فضح القمع بتنزيل الفيديوهات والصور.. أنا من أخرجت الملتحي من السجون والمعتقلات وإن خانني صاحب البرنس الواقف إلى جانب المنقبات والمحجبات والسافرات..أنا من خانني صندوق الانتخابات بسواد النفط على الدولارات.. أنا الشاب الحر لا أمريكا ولا قطر.. أنا من ميّز بين الثورة والثور والأفكار الغبية.. انا من يرى ثورتي تدعيها الكورة والحقائق الخفية... أنا من صاح التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق.. أنا من أنس غاز القنابل في الشوارع وغيري في بيته قابع.. أنا من صمت بعد الثورة وكشف العورة.. وأنا من قال الشعب يريد إسقاط النظام ومحاسبة الحكام.. أنا التونسي ابن التونسية.. سيّدة الشعوب العربية.. أنا الشعب الواحد والشعب القائد.. وكنت أحسبني للثورات رائد وللحرية عائد قبل أن يفاجئني معتنقو التكفير صنائع قندهار.. وباستبسالي سمحت ذات نهار.. لأفغان تونس أن يتحدّثوا عن العهد البائد ويسمح لهم بنشر الجرائد.. وقبل أن بالكفر يرموني ومن المساهمة في مستقبل البلاد يعفوني وبتمزيق راية بلادي أهانوها وأبكوني .. أثورة هذه أم عورة؟ 

    قال شاهد بن أزمنة بن تاريخ: قررت البقاء في تونس زينة البلدان لأمسح عن أجمل وجنتين دموع الأحزان ورثيت لحال الفتى المناضل يطعنه أبناء جلدته وهو في سبيل تخليصهم يقاتل.. رثيت لمن أحب وطنه كلّ الحبِّ ولتاجر دين تواطأ مع الغربِ فتذكرت جاهلية أحمد مطر:
في زمان الجاهلية
كانت الأصنام من تمر،
وإن جاع العباد،
فلهم من جثة المعبود زاد؛
وبعصر المدنية،
صارت الأصنام تأتينا من الغرب
ولكن بثياب عربية،
تعبد الله على حرف، وتدعو للجهاد
وتسب الوثنية،
وإذا ما استفحلت، تأكل خيرات البلاد،
وتحلي بالعباد؛
رحم الله زمان الجاهلية 
    قال شاهد بن أزمنة بن تاريخ: لن أترحم على الجاهلية ستنتصر  تونس وشعبها فهي الآن الحرّة العزيزة الأبّية.



2 التعليقات:

brastos a dit…

رائع جدا كعادتك صديقي . مقامة سهلة الهضم .. رغم شويّة الحزن السّاكن فينا ليل نهار .. حزن لا عزاء لنا فيه سوى الايمان بانّ الحياة لا تتّسع للقبح .. مهما صلب عوده ..

bacchus a dit…

@brastos
الحياة لا تتّسع للقبح .. مهما صلب عوده
حكيم كدأبك صديقي لخصت ما بنفسي فشكرا

Enregistrer un commentaire