mercredi 14 mars 2012

الأدب الكلاسيكي والأدب التدويني

  
       هذه الورقة قدمتها يوم 13مارس بمناسبة الإعلان عن اليوم الوطني لحرية الانترنيت.
طلب مني الصديق وسام التليلي هاتفيا الكتابة عن التدوين والأدب. وكان أن أبديت بعض التردد أقرب إلى الرفض لمتطلبات عملي ولكنّه أصرّ وانتهت المكالمة.
     فكرت بعد ذلك في وجاهة المناسبة (تكريم زهير اليحياوي والإعلان عن يوم وطني لحرية الانترنيت مطلب طالما تحركنا من أجله جميعا ) فهاتفت وسام وطلبت منه أن يمدني بفكرة عن الجمهور الحاضر فقال العديد من المدونين. قلت حديقة أضرب فيها عصافير بباقة ورد واحدة وليس "فوتوشوب"  وقررت المشاركة ولكنّ ضيق الوقت إن من حيث الزمن الفاصل بين الدعوة وتقديم هذه الورقة... وإن من حيث قصر زمن تقديمها.. جعلني أميل إلى أن تكون كلمتي أقرب إلى الملاحظات منها إلى البحث الأكاديمي في شأن علاقة التدوين بالأدب.

      لعلّّ كتاب ألف ليلة وليلة الذي لا يعرف له مؤلف هو أشهر الكتب.. ولعلّ أبلغ درس يمكن الخروج به منه هو أنّ من لا يحكي يموت.. وكذا كان أمر شهرزاد التي أنقذت نفسها وبلادها من دموية حاكم بفضل حكاياها.. بل لقد حوّلت الطاغية إنسانا سويّ السلوك بفضل ما حكت.
 ولا يفوتني هنا كذلك أن أذكر ابن المقفع الذي رام إصلاح السلطان بحكاياه المثلية في كليلة ودمنة ولكنّ الموت كان مصيره مع سلطان مستبد.. الحكاية تحيي أو تقتل والحكاية أدب فما علاقة التدوين بالأدب في المشهد التدويني التونسي؟
للسؤال بعدان:
     أمّا الأوّل فهو احتفاء التدوين بالأدب باعتبار المدونة فضاء لنشر الأدب إبداعا أو نقدا.
    أمّا البعد الثاني فهو التوسل بخصائص الأدب في التدوينة خدمة لمقاصد أخرى يرنو المدوّن لها.... والبحث في المجالين محفوف بإكراهات عديدة منها شحّ البحوث في المجال وجدّة الموضوع وغياب تأريخ للتدوين في تونس (وأدعو بالمناسبة إلى التحفيز لإنجاز هذا العمل حتى لا يضيع جهد جيل كامل عانى من أجل كلمة حق تشرق)
     لقد صار من المشروع أن نطرح قضية الأدب وتفاعلاته، في مواقع التواصل الاجتماعي وقد غدا الأدباء والنقاد يشدون الرحال إلى الشبكة العنكبوتية التي فتحت لهم أحضانها ليبرزوا طاقاتهم ورؤاهم وحساسيّاتهم؛ وهو ما كرّس ما يُعرف اليوم بالأدب الرقمي لقد مرّ الأدب بمراحل متنوِّعة (الشفوية، الطباعية، الرقمية) وصار تاريخ الأدب هو تاريخ الأنواع الأدبية في علاقتها بالوسائط التي يستخدمها، فبعد أن كان المتلقي مستمعا في الأدب الشفوي صار قارئا في الأدب المكتوب ليتحوّل إلى زائر في الأدب الرقمي. أمّا المبدع فقد وجد في الشبكات الاجتماعية فرصة لتحقيق أهداف منها: تحقيق الذات، والترويج لعمله، وتعويض إبعاده عن الوسائط المتداولة عادة (الجرائد، المجلات، الملاحق الثقافية..)
     إنّ سؤال الأدب الرقمي صار أمرا ملحا بعد أن هاجر العديد من المهتمين بالأدب إلى مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، مدوّنات شخصية، منتديات..)  لمَ لا وقد وفرت لهم هذه الوسائط فرصة لإثبات ذواتهم والخروج بإبداعهم إلى الناس فأفاد الأدب إذ صار يُقْرأ بطريقة تفاعلية من خلال التعليق المباشر على النص داخل المدونة مثلا مما قد يساهم في الحد من أزمة القراءة التي بات المجتمع يتحدّث عنها.. بل إنّ أدب الستاتي في الفايس بوك -بوصفه وسيطا هاما- قد ساهم في نشر نوع من الأدب استجاب لأجناس جديدة مثل الهايكو في الشعر والقصة القصيرة جدا في السرد والخاطرة.. فلم يعد القارئ زائرا فقط يتسكع بين الكم الهائل المنشور بل صار يتفاعل مع ما يقرأ ويناقش.. (وللموضوع أهمية كم أرجو أن يقع التصدي لها بالبحث وقد صارت ظاهرة في حياتنا اليومية ممّا يفنّد مقولة إنّ الأدب قد تجاوزه العصر بل ومقولة موت الأدب التي ما فتئ العديد يرددها.. وهنا لابدّ من الإشارة إلى خطر محدق باللغة عربية كانت أو أجنبية يتمثل في الأخطاء اللغوية وكتابة الحروف لاتينيّاً بالنسبة إلى الأدب العربي.)
    سأنهي كلمتي بالحديث عن توظيف الأدب في المدونات التونسية  فلئن سعى بعض المدونين إلى جعل بعض تدويناتهم أدبية سواء بعربية فصحى أو لغة أجنبية وهنا أذكر مدونا يوقع باسم الحلاج مثلا أو من اتخذ جنسا أدبيا عنوانا لمدونته (قصة أونلاين) أو من انتهج الكتابة بالعامية التونسية مثل (علي سعيدان واهتمامه بالفن الشعبي شعريا بنت طراد كذلك) أو (غوفارنور نورمال لاند أو البرباش سرديا) (أو من كتب عن يوميات ومشاهد وآراء ونقد وهنا أذكر مثلا فاطمة أربيكا ولينا بن مهني وبيغ تراب بوي) وهي أمثلة للذكر لا للحصر فالبلوغوسفار التونسية تزخر وتفخر بالعديد من المدونين الرائعين فأعتذر لعدم ذكر أسماء أخرى فالمناسبة يسيّجها الاحتفاء وليس صرامة العمل الأكاديمي.
     إن توظيف الأدب كان لغايات جمالية سواء من حيث البحث عن أشكال تعبير طريفة تمسك بالقارئ وتغريه بالتفكير في الموضوع المطروح أو من حيث توظيف الأدب لغايات التستر من الرقيب في زمن تسجن الكلمة فيه في الحلوق حتى لا يسجن كامل الجسد في غياهب السجون. وبمسح المدونات التونسية من حيث توظيفها الأدب في التدوينة لمقاصد يروم المدون تحقيقها أمكننا حصر بعض التقنيات لدى المدونين في تونس منها:   
-       التناص: ويتمثل في التصادي مع نصّ أدبي قديم أو حديث من أجل بسط الفكرة المراد تبليغها فلا يقع ذكر النص الأصلي صراحة ولكنّ بصمته لا تغيب عن النص الجديد المنتج.
-       الاقتباس: وهو أن يعمد المدون إلى اقتباس نص معروف عادة ويتصرّف فيه وفق مقتضيات الهدف الذي يرنو إلى تبليغه وذلك بتغيير الأسماء أو التصرف في بعض الأحداث
-       التضمين: وهو أن يضمّن المدوّن صراحة تدوينته نصا سرديا أو شعريا يراه معبرا عمّا يختلج في نفسه.
-       المحاكاة: وهو أن يحاكي المدوّن جنسا أدبيا قديما مثل المقامة أو النادرة أو فن الترسل ثمّ يخلع عليه جدّة العصر فيكون النص طريفا من حيث تناغم القديم شكلا والحديث موضوعا.
إنّ هذه الأساليب التي ذكرت كانت وليدة مقام ومقاصدَ. أما المقام فهو عهد الطغيان، كان لابدّ فيه من التستر لحفظ السرّ حتى لا ينكشف الستر وأمّا المقاصد فهي البحث عن طرق تعبير طريفة ليطول بقاء الزائر أو نشدان عودته فكل صاحب رأي لا مفرّ له من البحث عن ألاعيب فنية ليأنس متلقيه به.  
       إنّ ضيق محبس الوقت دعاني إلى الإجمال وما فيه من تجنّ على الموضوع وعلى أصحاب المدونات لذا عذرا على الإطالة وشكرا على الاستماع وأبشركم أني أنهيت. 

0 التعليقات:

Enregistrer un commentaire