samedi 5 mars 2011

دروس من تونس الرائعة

       هذه سلسلة تهتمّ بإعادة نشر ما كتب عن ثورة تونس. فهل ترانا في مستوى ما رآه الآخر فينا؟ إليكم النصّ الثاني.  
 دروس من تونس الرائعة

سعد محيو

الحكم الأوتوقراطي في تونس ذاب بسرعة قصوى كفص ملح في الماء . زين العابدين بن علي لاجئ في الخارج، وشبان “انتفاضة محمد البوعزيزي” (الشاب الجامعي الذي أحرق نفسه مُدشّناً ثورة الياسمين) يسيطرون على الداخل .
ستة دروس تاريخية واستراتيجية من هذه التطورات الدراماتيكية:
*الدرس الأول: ثورة تونس المفاجئة (والشرق الأوسط الإسلامي هو أرض المفاجآت والنبوة)، أعادت تأكيد قانون تاريخي كان قد رسّخ أقدامه في المنطقة العربية منذ ألف عام قوامه التالي: كلما ارتكس المشرق العربي، انتفض المغرب العربي وأمسك بالمبادرة التاريخية . وهذا على كل الصعد الفكرية والفلسفية والسياسية والاستراتيجية .
وهكذا، حين برز الإمام الغزالي في المشرق ليعلن “تهافت الفلاسفة”، وليليه ابن تيمية ليغلق باب الاجتهاد، برزت في المغرب العربي كوكبة من كبار المفكرين الذين لم يعيدوا إلى الحضارة العربية- الإسلامية وهجها وحسب، بل هم كانوا أيضاً الأساس الحقيقي لعصري النهضة والتنوير في أوروبا: ابن رشد الذي أطلق الفكر الأرسطي من عقاله، وابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث، وابن طفيل الذي سبق تشارلز داروين بألف عام في نظرية النشوء والارتقاء .
وعلى الصعيد السياسي- الاستراتيجي، كان المغرب العربي يزوّد المشرق بأسس إمبراطوريات عدة كان على رأسها الإمبراطورية الفاطمية التي وصلت منه إلى مصر، مُحققة نهضة علمية وفكرية وعمرانية مشهودة .
فهل نحن الآن، في القرن الحادي والعشرين، على أبواب “تطعيم” مغاربي تاريخي جديد لمشرق يتهاوى بشدة منذ نيّف ونصف قرن تحت ضربات التفتيت والاحتلالات والانحباس السياسي والفكري والحضاري؟
* الدرس الثاني: الجيل الجديد العربي الذي اتهمه الكثيرون بأنه جيل استهلاك، وثقافة شعبية أمريكية سطحية، ولا مبالاة بالشأن العام، أثبت في تونس أنه على العكس من كل ذلك، وأنه يختزن طاقة نضالية هائلة، وقدرة على إنتاج قيادات بسرعة قياسية، واستعداداً للتضحية لا حدود له .
*الدرس الثالث: ثورة تكنولوجيا المعلومات أثبتت هي الأخرى أن أي نظام سياسي في العالم لن يكون في منأى عن اختراقاتها أو محصّناً من تداعياتها . هذه الثورة، بتجلياتها كافة من الهاتف المحمول وفيسبوك ويوتيوب ومدونات الإنترنت، كانت هي الحزب التنظيمي الحقيقي الذي مكّن ثورة الياسمين من التفتح والانتشار .
*الدرس الرابع: أخيراً، تحقق عقد القران السعيد بين الرغيف والحرية في المنطقة العربية، بعد أن أثبتت ثورة تونس بقرائن الدم أن مكافحة الفساد وفرض حكم القانون والشفافية والحوكمة الرشيدة، مستحيل من دون ديمقراطية وحقوق إنسان وحريات مدنية .
*الدرس الخامس: الطبقات الوسطى العربية قادرة، إن هي امتلكت الإرادة ونزعت عامل الخوف، أن تقفز فوق الصراع الإيديولوجي والدموي المقيت الذي لا جدوى منه بين الأنظمة وبين الحركات الأصولية، وأن تنسف أعتى التحالفات بين الغرب “الديمقراطي” وبين الأنظمة السلطوية . صراع الطبقات عاد، وعلى الصراعات الأخرى أن تنزوي إلى رفوف التاريخ .
*الدرس السادس: وهو يفترض أن يكون بديهياً: مفاجأة تونس دقّت كل أجراس الإنذار الممكنة في كل أرجاء المنطقة العربية، ويتعيّن على معظم الحكومات العربية الآن أن تتلفت حولها لترى وتسمع وتنصت للهدير الزاحف للشبان والطبقة الوسطى والفقراء.
تونس الرائعة دشّنت مجدداً نجدة المغرب العربي التاريخية والحضارية للمشرق، فاستحقت عن جدارة لقب البطل التاريخي المنقذ من الضلال . وفي الليلة الظلماء، لم يُفتقد البدر التونسي .


1 التعليقات:

brastos a dit…

ثورة تونس باختصار ، و على حد تعبير احد الاصدقاء اللي عجبني برشه ، هي الفنّ الثامن

Enregistrer un commentaire